فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ}.
فيه قولان:
أحدهما: بمعنى على الغمام كما يقال رميت بالقوس وعن القوس ويكون المراد به الغمام المعهود والذي دون السماء لأنه يبقى دونها إذا انشقت غمام.
والقول الثاني: أنه غمام أبيض يكون في السماء ينزله الله على أنبيائه مثل الذي أظل بني إسرائيل، وقد قال في ظل من الغمام فتنشق السماء فيخرج منها.
{وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلًا} يعني أن الملائكة تنزل فيه يوم القيامة، وهو يوم التلاق. الذي يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض.
وفي نزولهم قولان:
أحدهما: ليبشروا المؤمن بالجنة، والكافر بالنار.
الثاني: ليكون مع كل نفس سائق وشهيد.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} قيل هو عقبة بن أبي معيط.
{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: سبيلًا بطاعة الله، قاله قتادة.
الثاني: طريقًا إلى النجاة، حكاه ابن عيسى.
الثالث: وسيلة عند الرسول يكون وصلة إليه، قاله الأخفش.
{يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلًا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني الشيطان، قاله مجاهد، وأبو رجاء.
الثاني: أنه أبي بن خلف، قاله عمرو بن ميمون.
الثالث: أنه أمية بن خلف، قاله السدي، وذكر أن سبب ذلك أن عقبة وأمية كانا خليلين وكان عقبة يغشى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أمية بن خلف له: بلغني أنك صبوت إلى دين محمد، فقال ما صبوت، قال: فوجهي من وجهك حرام حتى تأتيه فتتفُل في وجهه وتتبرأ منه فأتى عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل على جهه وتبرأ منه، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيه مخبرًا عما يصير إليه {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالمُ} الآية والتي بعدها. وفلانٌ لا يُثنى ولا يُجمْع.
قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرَءَانَ مَهْجُورًا}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم هجروه بإعراضهم عنه فصار مهجورًا، قاله ابن زيد.
الثاني: أنهم قالوا فيه هجرًا أي قبيحًا، قاله مجاهد.
الثالث: أنهم جعلوه هجرًا من الكلام وهو ما لا نفع فيه من العبث والهذيان، قاله ابن قتيبة. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله: {ويوم تشقق السماء بالغمام}.
يريد يوم القيامة عن انفطار السماء ونزول الملائكة ووقوع الجزاء بحقيقة الحساب، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر {تشّقّق} بشد الشين والقاف، وقرأ الباقون بتخفيف الشين، وقوله: {بالغمام} أي يشقق عنه، والغمام سحاب رقيق أبيض جميل لم يره البشر بعد إلا ما جاء في تظليل بني إسرائيل، وقرأ جمهور القراء {ونُزِّل الملائكة} بضم النون وشدّ الزاي المكسورة ورفع {الملائكةُ} على مفعول لم يسم فاعله، وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الوهاب {ونزِل} بتخفيف الزاي المكسورة، قال أبو الفتح وهذا غير معروف لأن {نزل} لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا {للملائكة} ووجهه أن يكون مثل زكم الرجل وجن فإنه لا يقال إلا أزكمه الله وأجنه وهذا باب سماع لا قياس، وقرأ أبو رجاء {ونَزّل الملائكة} بفتح النون وشدّ الزاي وقرأ الأعمش، {وأنزل الملائكة} وكذلك قرأ ابن مسعود، وقرأ أبي بن كعب {ونزلت الملائكة} وقرأ ابن كثير وحده {وننزل الملائكة} بنونين وهي قراءة أهل مكة، فرويت عن أبي عمرو {ونزل الملائكةُ} بإسناد الفعل إليها، وقرأت فرقة {وتنزل الملائكة} وقرأ أبي بن كعب أيضًا {وتنزلت الملائكة} ثم قرّر أن {الملك الحق هو يومئذ للرحمن} إذ قد بطل في ذلك اليوم كل ملك وعسره {على الكافرين} توجه بدخول النار عليهم فيه وما في خلال ذلك من المخاوف، وقوله: {على الكافرين}، دليله أن ذلك اليوم سهل على المؤمنين وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله ليهون القيامة على المؤمنين حتى أخف عليهم من صلاة مكتوبة صلوها».
قوله: {ويوم} ظرف العامل فيه فعل مضمر، وعض اليدين هو فعل النادم الملهوف المتفجّع، وقال ابن عباس وجماعة من المفسرين {الظالم} في هذه الآية عقبة بن أبي معيط ذلك أنه كان أسلم أو جنح إلى الإسلام وكان أبي بن خلف الذي قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد {خليلًا} لعقبة فنهاه عن الإسلام فقبل نهيه فنزلت الآية فيهما ف {الظالم} عقبة. وفلان أبي وفي بعض الروايات عن ابن عباس أن {الظالم} أبي فإنه كان يحضر النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عقبة فأطاعه.
قال الفقيه الإمام القاضي: ومن أدخل في هذه الآية أمية بن خلف فقد وهم إلا على قول من يرى {الظالم} اسم جنس، وقال مجاهد وأبو رجاء الظالم اسم جنس وفلان الشيطان.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويظهر أن {الظالم} عام وأن مقصد الآية تعظيم يوم القيامة وذكر هوله بأنه يوم تندم فيه الظلمة وتتمنى أن لو لم تطع في دنياها خلانها الذي أمروهم بالظلم، فلما كان خليل كل ظالم غير خليل الآخر وكان كل ظالم يسمي رجلًا خاصًا به عبر عن ذلك بفلان الذي فيه الشياع التام ومعناه واحد من الناس، وليس من ظالم إلا وله في دنياه خليل يعينه ويحرضه، هذا في الأغلب ويشبه أن سبب الآية وترتب هذا المعنى كان عقبة وأبيًا، وقوله: {مع الرسول} يقوي ذلك بأن يجعل تعريف {الرسول} للعهد والإشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى التأويل الأول التعريف بالجنس، وكلهم قرأ {يا ليتني} ساكنة الياء غير أبي عمرو فإنه حرك الياء في {ليتني اتخذت} ورواها أبو خليد عن نافع مثل أبي عمرو، والسبيل المتمناة هي طريق الآخرة، وفي هذه الآية لكل ذي نهية تنبيه على تجنب قرين السوء، والأحاديث والحكم في هذا الباب كثيرة مشهورة، وقوله: {يا ويلتى} التاء فيه عوض من الياء في يا ويلي والألف هي التي في قولهم يا غلامًا وهي لغة، وقرأت فرقة بإمالة {يا ويلتى} يال أبو علي وترك الإمالة أحسن لأن أصل هذه اللفظة الياء {يا ويلتى} فبدلت الكسرة فتحة والياء ألفًا فرارًا من الياء، فمن أمال رجع إلى الذي فر منه أولًا، و{الذكر}، هو ما ذكر به الإنسان أمر آخرته من قرآن أو موعظة ونحوه، وقوله: {وكان الشيطان للإنسان خذولًا} يحتمل أن يكون من قول {الظالم} ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالىعلى جهة الدلالة على وجه ضلالتهم والتحذير من الشيطان الذي بلغهم ذلك المبلغ، وقوله تعالى: {وقال الرسول}، حكاية عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الدنيا وتشكيه ما يلقى من قومه، هذا قول الجمهور، وهو الظاهر، وقالت فرقة هو حكاية عن قوله ذلك في الآخرة، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {قومي} بتحريك الياء والباقون بسكونها، و{مهجورًا} يحتمل أن يريد مبعدًا مقصيًا من الهَجر بفتح الهاء وهذا قول ابن زيد، ويحتمل أن يريد مقولًا فيه الهُجر بضم الهاء إشارة إلى قولهم شعر وكهانة وسحر وهذا قول مجاهد وإبراهيم النخعي.
قال القاضي أبو محمد: وقول ابن زيد منبه للمؤمنين على ملازمة المصحف وأن لا يكون الغبار يعلوه في البيوت ويشتغل بغيره، وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من علق مصحفًا ولم يتعاهده جاء يوم القيامة متعلقًا به يقول هذا اتخذني {مهجورًا} إفصل يا رب بيني وبينه» ثم سلاه عن فعل قومه بأن أعلمه أن غيره من الرسل كذلك امتحن بأعداء في زمنه، أي فاصبر كما صبروا و{عدوًا} يراد به الجمع، تقول هؤلاء عدو لي فتصف به الجمع والواحد والمؤنث ثم وعده تعلق بقوله: {وكفى بربك هاديًا ونصيرًا} والباء في {بربك} للتأكيد على الأمر إذ المعنى اكتف بربك. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماء بالغَمَام ونُزِّلَ الملائكةُ تنزيلًا}.
هذا معطوف على قوله: {يوم يرون الملائكة}، وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: {تَشَّقَّقُ} بالتشديد، فأدغموا التاء في الشين، لأن الأصل تتشقق.
قال الفراء: المعنى: تتشقق السماء عن الغمام، وتنزل فيه الملائكة، وعلى وعن والباء في هذا الموضع بمعنى واحد، لأن العرب تقول: رميت عن القوس، وبالقوس، وعلى القوس، والمعنى واحد.
وقال أبو علي الفارسي: المعنى: تتشقَّقُ السماء وعليها غمام، كما تقول: ركب الأمير بسلاحه، وخرج بثيابه، وإِنما تتشقَّق السماء لنزول الملائكة.
قال ابن عباس: تتشقق السماء عن الغمام، وهو الغيم الأبيض، وتنزل الملائكة في الغمام.
وقال مقاتل: المراد بالسماء: السماوات، تتشقق عن الغمام، وهو غمام أبيض كهيئة الضَّباب، فتنزل الملائكة عند انشقاقها.
وقرأ ابن كثير: {ونُنْزِلُ} بنونين، الأولى مضمومة، والثانية ساكنة، واللام مضمومة، و{الملائكةَ} نصبًا.
وقرأ عاصم الجحدري، وأبو عمران الجوني: {ونَزَّلَ} بنون واحدة مفتوحة ونصب الزاي وتشديدها وفتح اللام ونصب {الملائكةَ}.
وقرأ ابن يعمر: {ونَزَلَ} بفتح النون واللام والزاي والتخفيف {الملائكةُ} بالرفع.
قوله تعالى: {المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ للرَّحمن} قال الزجاج: المعنى: المُلْك الذي هو المُلْك حقًّا للرحمن.
فأما العسير، فهو الصعب الشديد يشتد على الكفار، ويهون على المؤمنين فيكون كمقدار صلاة مكتوبة.
قوله تعالى: {ويَوْمَ يَعَضُّ الظالمُ على يديه} في سبب نزولها ثلاثة أقوال.
أحدها: أن أُبيَّ بن خَلَف كان يحضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجالسه من غير أن يؤمن به، فزجره عُقبة بن أبي مُعَيط عن ذلك، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس.
والثاني: أن عُقبة دعا قومًا فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام فأكلوا، وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل، وقال «لا آكل حتى تَشهد أن لا إِله إِلا الله وأنِّي رسولُ الله» فشهد بذلك عقبة، فبلغ ذلك أُبيَّ بن خَلَف، وكان خليلًا له، فقال: صبوت يا عقبة؟ فقال: لا والله، ولكنه أبى أن يأكل حتى قلت ذلك، وليس من نفسي، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.
والثالث: أن عُقبة كان خليلًا لأُميَّة بن خَلَف، فأسلم عُقبة، فقال أُمية: وجهي من وجهك حرام إِن تابعتَ محمدًا، فكفر وارتدَّ لرضى أُميَّة، فنزلت هذه الآية، قاله الشعبي.
فأما الظالم [المذكور] هاهنا، فهو الكافر، وفيه قولان:
أحدهما: أنه أُبيُّ بن خَلَف، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: عُقبة بن أبي مُعَيط، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة.
قال عطاء: يأكل يديه حتى تذهبا إِلى المرفقين، ثم تنبتان، فلا يزال هكذا كلَّما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل.
قوله تعالى: {يا ليتني اتَّخَذْتُ} الأكثرون يسكِّنون {يا ليتني}، وأبو عمرو يحرِّكها؛ قال أبو علي: والأصل التحريك، لأنها بازاء الكاف التي للخطاب، إِلا أن حرف اللِّين تكره فيه الحركة، ولذلك أسكن من أسكن؛ والمعنى: ليتني اتَّبعتُه فاتَّخذتُ معه طريقًا إلى الهُدى.
قوله تعالى: {ليتني لم أتَّخِذ فلانًا} في المشار إِليه أربعة أقوال.
أحدها: أنه عنى أُبيَّ بن خَلَف، قاله ابن عباس.
والثاني: عقبة بن أبي مُعَيط، قاله أبو مالك.
والثالث: الشيطان، قاله مجاهد.
والرابع: أُميَّة ابن خَلَف، قاله السدي.
فإن قيل: إِنما يكنى من يخاف المبادأة أو يحتاج إِلى المُداجاة، فما وجه الكناية؟
فالجواب: أنه أراد بالظالم: كلَّ ظالم، وأراد بفلان: كلَّ من أُطيع في معصية وأُرضي بسخط الله، وإِن كانت الآية نزلت في شخص، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {لقد أضلَّني عن الذِكْر} أي: صرفني عن القرآن والإِيمان به {بعد إِذ جاءني} مع الرسول، وهاهنا تم الكلام.
ثم قال الله تعالى: {وكان الشَّيطان للانسان} يعني: الكافر {خَذُولًا} يتبرأ منه في الآخرة.
قوله تعالى: {وقال الرسول}.
يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهذا عند كثير من العلماء أنه يقوله يوم القيامة؛ فالمعنى: ويقول الرسول يومئذ.
وذهب آخرون، منهم مقاتل، إِلى أن الرسول قال ذلك شاكيًا من قومه إِلى الله تعالى، حين كذَّبوه.
وقرأ ابن كثير، ونافع، [وأبو عمرو]: {إِن قوميَ اتخذوا} بتحريك الياء؛ وأسكنها عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
وفي المراد بقوله: {مهجورًا} قولان:
أحدهما: متروكًا لا يلتفتون إِليه ولا يؤمنون به، وهذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: هجَروا فيه، أي: جعلوه كالهذَيان، ومنه يقال: فلان يَهْجُر في منامه، أي: يَهْذِي، قاله ابن قتيبة.
وقال الزجاج: الهُجْر: ما لا يُنتفع به من القول.
قال المفسرون: فعزّاه الله عز وجل، فقال: {وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا} أي: كما جعلنا لك أعداءً من مشركي قومك، جعلنا لكلِّ نبيّ عدوًّا من كفّار قومه؛ والمعنى: لا يَكْبُرَنَّ هذا عليك، فلك بالأنبياء أُسوة، {وكفى بربِّك هاديًا ونصيرًا} يمنعك من عدوِك.
قال الزجاج: والباء في قوله: {بربِّكَ} زائدة؛ فالمعنى: كفى ربُّك هاديًا ونصيرًا. اهـ.